إسماعيل .. من ضوء الشموع بالرحامنة إلى مدرسة شهيرة بباريس
رغم ترعرعه في قرية لم تصلها خيوط الكهرباء ولا أنابيب الماء الصالح للشرب، ورغم عدم استفادته في أيّ وقت سابق من الساعات الإضافية، إلّا أن إسماعيل مزان، ابن دوار عباس بلمعطي، نواحي الرحامنة، استطاع أن يترّبع على صدارة قائمة الطلبة المغاربة الذين اجتازوا بنجاح امتحان أشرفت عليه Centrale-supélec، ويتيح ولوج أعتى مدارس الهندسة بفرنسا في شعبة الفيزياء وعلوم المهندس، وهو الإنجاز ذاته الذي حققه في المباراة الوطنية المشتركة لولوج مدارس المهندسين بالمغرب.
أيّامًا قليلة ويكون إسماعيل، البالغ من العمر 19 سنة، واحدًا من الطلبة المغاربة القلائل الحاضرين في المدرسة المركزية لباريس، ثاني أشهر مدرسة للهندسة بفرنسا بعد "بوليتيكنيك" حسب تأكيدات المتحدث. مسار هذا الشاب لتحقيق حلمه لم يكن سهلًا، فقد كبر يُغازل ضوء الشموع في بيت قروي فقير قرب دوار عباس بلمعطي، فرغم أن الدوار يستفيد من الكهرباء، إلّا أن استقرار أسرة إسماعيل خارجه، حرمها من هذه الخدمة، زيادة على عدم وصول مياه الشرب إلى البيت، ممّا جعل الأسرة تعتمد بالكامل على مياه بئر قريبة.
بعد دراسة ابتدائية في مدرسة بالقرية، أكمل إسماعيل مساره في إعدادية الشريف الإدريسي، التي تبعد عن بيته بسبعة كيلومترات، مستعينًا في ذلك بدراجة تعينه على تنقله اليومي بين مسالك صعبة. بعد نيله شهادة الإعدادي انتقل إلى ثانوية رأس العين التأهيلية بالرحامنة، حيث قطن بدار الطالب ثلاث سنوات اختتمها عام 2013 بأن تزّعم لائحة الناجحين في شعبة علوم الحياة والأرض، بميزة حسن.
التحق إسماعيل بالمدارس التحضيرية لمركز ابن تيمية بمراكش في شعبة الفيزياء وعلوم المهندس، حيث استمر في توهجه الدراسي، وبعد نجاحه في سنتين من الدراسة المكثقة، اجتاز بنجاح المباراة الوطنية المشتركة، غير أن طموحه قاده لاجتياز مباراة ولوج المدارس الفرنسية، وهي المباراة التي حلّ فيها أولًّا في شعبته، سواء في الشق الأوّل الخاص بالامتحان الكتابي بالدار البيضاء، أو الشق الثاني الخاص بالامتحان الشفوي بباريس، رغم امتداد الامتحان الثاني لأسبوع خلال شهر رمضان الماضي، ليُعلن اسمه حاضرًا في قائمة الناجحين بالمدرسة الوسطى، بعدما ركز في اختياره على هذه المدرسة لسمعتها المعروفة.
"لم أستفد يومًا من شيء اسمه الساعات الإضافية، وحتى المراجعة الليلية سنوات الابتدائي والإعدادي كنتُ شبه محروم منها بسبب غياب الإنارة، إذ لم أكن أستطيع قضاء وقت طويل مستنجدًا بضوء الشمعة، لذلك كنت أرّكز أكثر على ما أستفيد منه داخل حجرات الدرس، أو ما أراجعه في ساعات النهار القليلة التي تتيح ذلك" يتذكر إسماعيل تلك المعاناة، التي زاد منها كونه الوحيد بين إخوته الكبار الذي قرّر متابعة دراسته، بينما لم يقتف أثره سوى أخوين صغيرين له يدرسان حاليًا في الابتدائي، أما الكبار، فقد استقالوا مبكرًا من مقاعد الدراسة، وتفرّغوا للبحث عن لقمة العيش دون العيش في "جلباب" الأب، الفلاح الفقير الذي يقضي يومه وسط حقله الصغير.
دعمّت المؤسسة المغربية للطالب -المنظمة غير الربحية التي يوجد مقرّها بالدار البيضاء، والتي تساعد التلاميذ في المرحلة ما بعد البكالوريا- إسماعيل في مرحلة دراسته بالأقسام التحضيرية،بل لولا دعمها المادي، ما استطاع السفر إلى فرنسا لاجتياز الامتحان، كما أنه بفضل المنحة التي قدمتها له، صار بمقدوره الالتحاق بالمدرسة الفرنسية في انتظار أن يستكمل إجراءته للحصول على منحة أخرى تضمن له التركيز على دراسته هناك، يؤكد ابن الرحامنة.
ورغم المعاناة الكبيرة التي قاسها إسماعيل في بلاده، إلّا أنه أكد لهسبريس عودته إليها بعد استكمال السنوات الثلاث من الدراسة في باريس، لغرض العمل في مشاريع تعود بالنفع على المغاربة، خاصة أولئك الذين يعيشون في القرى البعيدة في حرمان من مقوّمات العيش الكريم، فمشاهد حمل محفظته لكيلومترات بحثًا عن مدرسته، وعيشه في دار للطالب بعيدًا عن أسرته، واقتصاره على ضوء الشموع للمراجعة الليلية، كلّها مشاهد تدفعه إلى الاجتهاد أكثر والعودة إلى قريته الصغيرة حاملًا أملًا حقيقيًا بالتغيير بعيدًا عن الوعود الموسمية للكائنات الانتخابية.